هل تطول موجة صعود الدولار هذه المرة؟
هل تطول موجة صعود الدولار هذه المرة؟
مايكل ماكنزي
دفعت المخاوف المتعلقة بنمو الاقتصاد العالمي وحالة عدم اليقين إزاء السياسة النقدية للاحتياطي الفيدرالي الأمريكي الدولار إلى موجات متتالية من الارتفاع خلال شهر أكتوبر/تشرين الأول الماضي، لكن البنوك المركزية أشعلت نار الدولار من جديد متسببة في تبعات لا نهاية لها خاصة على أسعار السلع الاستراتيجية وتدفق الاستثمارات العالمية .
فقد أحدث بنك اليابان هزة في أسواق النقد العالمية ودفع الانعطاف المفاجئ في السياسة النقدية للبنك المركزي الياباني الين إلى أدنى مستوياته أمام الدولار منذ عام 2007 مع احتمالات تعرضه لمزيد من التراجع .
ويقول "ألان راسكين" المحلل الاستراتيجي لدى بنك "دويتشة" أن المستثمرين اليابانيين والشركات اليابانية سوف تطارد الأسواق، كما أن مكانة الين كأداة لتمويل الأنشطة التجارية أصبحت مضمونة . وسوف تعزز صندوق التقاعدية هذا التوجه بتخصيص قسم أكبر من استثماراتها لشراء الأصول الأجنبية" .
وفي الوقت نفسه يقف الدولار عند مستوى من الارتفاع لم يبلغه منذ أربع سنوات مقابل سلة العملات الرئيسية ما يزيد من احتمالات أن تجد بنوك مركزية أخرى نفسها مضطرة للجوء إلى ما لجأ إليه بنك اليابان المركزي . وقد تشعر منافسات اليابان تجارياً من الدول الآسيوية مثل كوريا وتايوان نفسها بحاجة ماسة لعملة أضعف لتستطيع الحفاظ على قدرتها التنافسية . أما البنك المركزي الأوروبي الذي يخضع أساساً لضغوط قوية لتفعيل برنامج شراء السندات الحكومية،فسوف يستشعر الخطر في حال تسببت الخطوة اليابانية في زيادة ضغوط الانكماش في منطقة اليورو . ولكن في الوقت الذي تبدو أبعاد ارتفاع الدولار جلية المعالم لتجار العملات تبقى المستويات التي يمكن أن يبلغها وتأثير ارتفاعه على أصناف الأصول المختلفة مجهولة . وعندما يبدأ الدولار في الارتفاع غالباً ما يستمر لفترة طويلة .فقد خسر 25% من قيمته خلال فترة ضعفه التي استمرت بين عامي 2002 و2009 . ثم بدأ انتعاشه بداية عام 2011 وهناك من يراهن على استمراره في الارتفاع حتى يستعيد كامل خسائره .
وتزامنت دورات سابقة من الدولار القوي مع أداء متميز للأسهم الأمريكية - ذلك أن قوة العملة تزيد شهية المستثمرين الأجانب للأصول الأمريكية - ومع تراجع في أسعار السلع الاستراتيجية، وخاصة المعادن الثمينة، وأسعار المعادن عموماً وأسعار المنتجات الزراعية . وكان ارتفاع الدولار في عقد الثمانينات والتسعينات قد تسبب في أزمة للأسواق الناشئة نتجت عن تصاعد خدمات الديون المقومة بالدولار .
ويبدو أن الاتجاه الحالي سيكون مطابقاً لسابقيه . فقد تراجعت أسعار السلع الاستراتيجية منذ بداية الصيف . وتزامن تحليق الدولار الأخير مع مستويات من الارتفاع غير مسبوقة في مؤشرات الأسهم وهبوط أسعار الذهب إلى أدنى مستوى منذ عام 2010 . وقد زاد ذلك من الضغوط على الأسواق الناشئة كالبرازيل وروسيا اللتين رفعتا أسعار الفائدة لتعويض تدني أسعار السلع الاستراتيجية وتجاوباً مع الاضطرابات السياسية .
إلا أن بعض المحللين يعتقدون أنه من الصعب الرهان على استمرار ارتفاع الدولار بوتائر ثابتة .فالاتجاه الذي يسلكه أداء الاقتصاد الصيني عنصر لا يمكن تجاهله في التأثير على أسعار السلع الرئيسية وأسهم شركات الموارد الطبيعية، وبالتالي على سعر الدولار .
من جهة أخرى فإن الرابط بين سعر الدولار وأداء مؤشرات الأسهم غير قابل للاستمرار .فقد عززت خطوات الاحتياطي الفيدرالي فيما مضى ضعف الدولار متزامنا مع تنشيط سوق الأسهم . ويمكن للسياسة النقدية المتشددة أن تدعم ارتفاع الدولار، لكنها تحبط أسواق الأسهم خاصة وأن الشركات متعددة الجنسيات تناضل ضد النمو الاقتصادي البطيء .
وتقول "دايانا تشويليفا" المحللة لدى شركة "لومبارد ستريت" للأبحاث: "مكمن الخطر في أن الضعف الاقتصادي في مختلف مناطق العالم يصب في مصلحة تحليق الدولار بسرعة عالية" .
أضف إلى ذلك أن أسعار السلع الاستراتيجية المنخفضة تفاقم مشكلة تدني معدلات التضخم التي تضر بمعظم اقتصادات الدول المتقدمة بما فيها الولايات المتحدة الأمريكية . ولهذا فإن واشنطن تبدو متسامحة مع ارتفاع قيمة عملتها لأن اقتصادها يعتمد في الغالب على الاستهلاك أكثر من اعتماده على الصادرات .